تعد المعمارية زها حديد من أهم معماريّي القرن العشرين، اتسمت أعمالها بالانسيابية والمرونة وتحدَّت فيها النمطيّة التي سادت لوقت طويل.
تنتمي حديد لعائلةٍ عراقيةٍ، ولدت في 31/10/1950 وعاشت في العراق حتى المرحلة الثانوية، وبعدها انتقلت للعيش في لبنان للدراسة في الجامعة الأمريكية ببيروت حيث حصلت على شهادة الرياضيات سنة 1971. انتقلت بعدها إلى لندن ودرست هناك في مدرسة العمارة الشهيرة (Architectural Association School)من 1972 حتى 1977.
عُرف عنها شغفها بالهندسة منذ طفولتها، "لطالما أردت أن أصبح مهندسة، منذ كنت في السابعة أو الثامنة أو التاسعة لا أذكر بالضبط الآن.. أعتقد بأنني رأيت معرضاً في بغداد أثار اهتمامي."لم يكن لتصاميم المعمارية زها حديد توجهٌ معماريٌ واحدٌ، فقد كانت تبحث عن لغةٍ جديدةٍ تعتمد على الحداثة من ناحية الفكر والتصميم والجملة الإنشائية ومواد البناء كذلك.
كان إبداعها في العمارة غريبا ًعلى البعض فلم يلقَ الاستحسان من الجميع في البداية، إلا في عام 1980 حين صّممت منتجعاً في هونغ كونغ عرضته حديد كمثالٍ عن العمارة التفكيكية. ولم تتمكن حديد من تنفيذ تصميماتها الجريئة إلا في عام 1993 حين صممت محطة إطفاء لمصنع فيترا في مدينة فايل الألمانية الواقعة على نهر الراين، ويعود الفضل لصاحب المصنع الذي كان محباً وشغوفاً جداً بالعمارة، فقد تعامل من قبل مع العديد من المعماريين المشهورين لتصميم مصنعه ومنهم تاداو آندو وفرانك جيري.
بالتوازي مع الهندسة المعمارية عُرفت حديد باهتمامها بتصميم الأحذية والأثاث، وطغت كذلك الانسيابية على تصاميمها.
نالت حديد العديد من الجوائز منها جائزة الدولة النمساوية للعمارة في عام 2002 وجائزة ميس فان در روه للعمارة الأوروبية عام 2003، وجائزة العمارة الألمانية في عام 2005لتصميمها مصنع "بي ام دابليو". ومن أبرز وأرفع جوائزها كانت جائزة "بريتزكر" وهي أول امرأة تحصل على هذا الشرف.
انتهت رحلة حديد عن عمرٍ يناهز65 عاما في مارس 2016 إثر نوبةٍ قلبيةٍ مفاجئةٍ في ميامي بالولايات المتحدة الامريكية، بعد العديد من النجاحات والإنجازات والألقاب والجوائز، بعد أن كتبت قصة نجاح امرأةٍ معماريةٍ حديديةٍ تحدت الكثير من الصعوبات .
اعتمدت حديد في مبانيها على الخطوط المنحنية والعضوية الطبيعية بشكلٍ رئيسيٍ، وآمنت بشكلٍ كبيرٍ بالحداثة، وتخطت كل الحدود مع المحافظة على المعاني والأهمية لكل عناصر العمارة. تبدو أعمالها وكأنها دعوةٌ للمستقبل، إذ غيرت العديد من المفاهيم التي سادت في الماضي، وابتكرت لغةً هندسيةً للقرن المقبل، فكانت أعمالها كقصةٍ خياليةٍ امتدت من الشرق إلى الغرب، وقد احتاجت إلى تطورٍ كبيرٍ في التكنولوجيا لتتم ترجمتها من الورق إلى أرض الواقع، ضمن تجسيدٍ سلسٍ ليبدو متكاملاً وفريداً ويؤدي جميع المتطلبات .
إليكم بعض من تصاميم زها حديد:
وهو عبارة عن مجمعٍ من المباني التي صممتها حديد بطرازٍ انسيابيٍ منحنٍ متجنب الزوايا الحادة، يضم مركز مؤتمراتٍ ومكتبةً ومتحفاً، جميعها متصلةٌ بمساحةٍ داخليةٍ وبجلدٍ خارجيٍ منحنٍ ومائعٍ حيث سمي على اسم رئيس دولة أذربيجان في ذلك الوقت.
يضفي اللون الأبيض عليه طابع انعدام الوزن غير مقيدٍ بتعليق الجاذبية المادية، فهو يعطي إحساساً بأنه كامل الشكل بلا هيكلٍ، لكن أشكاله تخفي الهندسة المتطرفة، حيث أن الهيكل المكاني ذو الطبقات المزدوجة يتميز بالمرونة الشديدة، فلا يوجد إحساسٌ بالحدود ولا إشارةٌ للنهاية. ولقد صُمّم بهذا الشكل المرن ليبدو وكأنه منبثقٌ من طي المناظر الطبيعية وليربط المساحات الثقافية المتنوعة.
تم ترشيح المبنى لجائزة مهرجان العمارة العالمي ومهرجان "Inside" نصف السنوي في عام 2013.
صممته حديد في الطرف الجنوبي الشرقي لمنتزه الملكة اليزابيث الأولمبي على جسر ستراتفورد سيتي الجديد.
استوحت حديد فكرة المشروع من هندسة الموائع المتحركة للماء، وصُمّم السقف على شكل موجةٍ وبمرونةٍ متأصلةٍ لاستيعاب 17500متفرج لألعاب لندن 2012. المفهوم المعماري للمشروع مستوحىً من مقياس فلوريد الماء اثناء الحركة.
الذي استوحت حديد فكرته من التاريخ البحري العريق لمدينة الوكرة، حيث ارتبطت مدينة الوكرة ارتباطاً شديداً بالصيد وتجارة اللؤلؤ، فصممته حديد على شكل صدفةٍ خارجيةٍ بداخلها مركبٌ تقليديٌ.
كما راعت زها في الستاد كافة جوانب الاستدامة، فقد صمّمت السقف بحيث يكون قابلاً للطي ليسمح بتخفيف حدة أشعة الشمس وتظليل الاستاد بالكامل، الأمر الذي يساهم في رفع كفاءة التبريد، ولقد حصل المشروع على ثلاث شهاداتٍ في الاستدامة شملت التصميم والبناء والتشييد من طرف المنظومة العالمية لتقييم الاستدامة "جي ساس"، التي تمنحها المنظمة الخليجية للبحث والتطوير "جورد".
صممته زها قبل وفاتها بعامين وصُمّم ضمن مشروعٍ كبيٍر يحمل شعار "الرباط مدينة الأنوار، عاصمة المغرب الثقافية " وهو المشروع الذي أعلن عن انطلاقته الملك في منتصف عام2014.
استوحت زها تصميم المسرح من التراث المعماري المغربي في تقاطعٍ مع أحدث التطورات الفنية في هذا المجال، الذي أظهرت فيه حديد براعةً وتميزاً.
تطلب تشييد المسرح تقنياتٍ عالية المستوى ونال اهتمام المهندسين المعماريين على الصعيد العالمي، فهو يعد من أصعب التصاميم العمرانية العالمية.