"ابنِ أفضل وأسرع وأرخص"
هكذا كانت نظرة بويون لفنّ العمارة، فباعتقاده الخاص أنها تعد أداةً لخدمة المجتمع وحتى الاقتصاد.
فرناند بويون هو مهندسٌ معماريٌ ومصممٌ من أصولٍ فرنسيةٍ، ولد في مدينة كانكون في 14 مايو عام 1912، والتحق في سن الخامسة عشرة بمدرسة الفنون الجميلة بمرسيليا. في عام 1934 قام ببناء أول مبنىً له (قصر ألبرت الأول) في إيكس بروفانس رغم عدم تحصله بعد على دبلوم مهندسٍ معماريٍ ولم يكن عمره يتجاوز الثانية والعشرين. لم تكن مسيرته المهنية حافلةً بعد تخرجه، فبروزه ظهر بعد الحرب العالمية الثانية، حيث بدأ مسيرته المهنية بإنشاء مبانٍ ذات 30 أو 40 مسكنٍ كل عام، وقد قيل عنه إنه من أوائل الذين فهموا مسألة ضرورة تحقيق الإسكان الجماعي الذي نشأ في فترة ما بعد الحرب: المشروع العظيم للحركة الحديثة. بروز بويون كأحد المعماريين الكبار في فرنسا كان بسبب تميز مبانيه باندماجها مع الموقع، وتوازن الكتل الذي يخلق توافقاً وتناسقاً دقيقاً، بالإضافة إلى وجود تعاونٍ في أعماله مع فناني النحت، الخزفيين ومنسقي الحدائق. توفي في 24 تموز سنة 1986.
يعتبر أحد أعظم المهندسين المعماريين لسنوات إعادة الإعمار بعد الحرب العالمية الثانية في فرنسا، حيث ترك بصمته في المباني والمرافق العامة في مرسيليا موطنه الأم، وفي باريس وكل من الجزائر وإيران.
كان من أوائل المعماريين الذين تحدثوا عن العمارة المستدامة، كما أنه أخذ بعين الاعتبار العمارة العامية وما فيها من حِرف ومواد بناء محلية وعادات السكان، وجعلها أساساً في منشآته ومبانيه، مع محاولة دمجها مع الوسط الطبيعي أو المشهد الحضري. هذا ما جعل عمارته ذات طابعٍ جميلٍ منسقٍ تتخلله البساطة والانسجام.
أكثر ما يميز عمارته هو تناسق الكتل والفراغات بنسبٍ منسجمةٍ واندماجها في الموقع، بالإضافة إلى استغلاله للمواد النبيلة خاصةً في المباني السكنية.
اعتمد بويون في عمارته على أسسٍ دقيقةٍ واضحةٍ مستنبطةٍ من العمارة المحلية لمنطقةٍ معينةٍ، مع إضفاء لمسته الخاصة عليها، وكونه دائماً يبحث عن استمراريةٍ تاريخيةٍ في المباني التي يشيدها، والنتيجة: مبنى متوازنٌ، منسجمٌ، تتخلله البساطة مع الاندماج المحقّق مع بيئته، وهذا ما تم تشييده بالفعل في فرنسا، الجزائر وإيران من مبانٍ سكنيةٍ ومنشآتٍ فندقيةٍ وتعليميةٍ وثقافيةٍ.
والتي كانت نقطة بداية مشواره المهني، فقد اهتم بويون كثيراً بالمباني السكنية وأبدع في تصميمها، حيث تميزت بالبساطة المحققة للتوازن الكتلي والانسجام الفراغي، يضاف إليه الاندماج المميَّز مع البيئة لإنتاج مبانٍ فريدةٍ من نوعها.
نذكر كمثال: ديار المحصول في الجزائر العاصمة،1954-1953، التي تتكون من 19 مبنىً ذات ارتفاعٍ متوسطٍ من خمس طوابق، برجٍ بارتفاع 20 طابق في مكان السوق، مدرسةٍ، كنيسةٍ، مصرفٍ ومتاجر.
في المجموع النهائي نجد 1550 مسكناً تنقسم إلى مجموعتين:
القسم الشمالي الذي يقع في بوابة العاصمة ويسمى بمنطقة الراحة القياسية وهو موجهٌ إلى السكان الأوروبيين.
القسم الجنوبي وهو أبعد من القسم الشمالي ويسمى بمنطقة الراحة البسيطة وكان موجهاً إلى السكان العرب.
ومن هنا نستنتج أن بويون أخذ بعين الاعتبار ثقافة وتاريخ السكان الذين تم توجيه هذه المباني السكنية إليهم، فصمم ما يناسب الفكر الأوروبي وبالمقابل قام بتصميم ما يتناسب مع السكان العرب.
كون الجزائر بلدٌ يقع على البحر الأبيض المتوسط، فقد تعاقبت عليه العديد من الحضارات (الرومانية، العثمانية، الأندلسية، الفرنسية، ...)، جعلته غنياً بالتنوع الثقافي الذي انعكس أيضاً على عمارة هذا البلد، مما جعل بويون يفتح أبواب الإبداع في مشاريعه، لذلك فقد تميزت هذه المشاريع بالمرجعية المعمارية المتعددة الثقافات، وباعتماده فيها على النحت حيث قال:" عندما لمست هذا البرنامج السياحي الجزائري، في مناخ أحبه لأنني متوسطي، وعندما رأيت ما يمكن فعله، غيرت الطبيعة في التخلي التام عن إطار كل ما هو خطي في التصميم إذا أردت، لقد عملت كنحات أكثر من مهندس معماري، فهناك أشياء لا يمكن رسمها على شكل هندسي بل يجب نحتها كنموذج ".
نذكر أمثلة على ذلك:
تأثرت عمارة بويون بشكلٍ عميقٍ بالسياق الفيزيائي والجغرافي وكذلك الثقافي، حيث كان اهتمامه منصباً على العمارة التقليدية، وكيفية إظهار الامتداد التاريخي والثقافي للمبنى، واعتبر أيضاً أنّ وحدة الهيكل لا تنفصل عن وحدة العمارة فيما يتعلق بمواد البناء، واختياره الأساسي للحجارة.
من أهم السمات التي برزت بوضوح في عمارة بويون:
نذكر كمثال:
من أشهر ما قال بويون:
استحق المعماري فرناند بويون شهرته وصيته اللذين ما كانا ليكونا لولا تلك القيم والأسس التي ميزت عمارته رغم بساطتها، وضوحها وجماليتها، فما تركه من مبانٍ كان له الأثر الواضح في النسيج العمراني والجودة الثقافية والتاريخية في الجزائر وفي كل مدينةٍ حطت أنامله الإبداعية فيها.