لطالما كانت العمارة تشكيل فني ثلاثي الأبعاد، حيث يستخدم فيها المصمم المفردات البصرية التشكيلية والمبادئ التصميمية الأساسية لتتحول في نهاية المطاف إلى كتل معمارية. غالب الأبنية المعمارية تتكون من مجموعة تكوينات تتلخص في المادة والشكل والضوء، حيث يعتبر الضوء والظل نمط واحد مترابط ويساعد التلاعب بهما في إنتاج عمارة فنية غنية بالتفاصيل المميزة والثرية. كما يمكن للظل أن يجعل التصميم المعماري مليئاً بالحيوية ومنحه جاذبية خاصة حيث أنه يلعب دوراً مهماً في أحاسيس الإنسان وتجعله يعيش تجرِبة اكثر ثراءً وتفكيراً أعمق. فما هو الظل؟ وما هو الضوء والنور؟ يعرف الظل على أنه العتم أو الظلام الناتج عن حجب جسم ما للضوء وهو يخلق من النور أو الضوء ويعرف الضوء بأنه ذا ضوء ذاتي كضوء الشمس والقمر. أما عن النور فيعرف بضوء مباشر مأخوذ من مصدر ضوئي وهو إشعاع كهرومغناطيسي ويتم اكتسابه من جسم آخر.
العمارة بين النور والظلام:
يعتمد تصميم المباني المعمارية على التمازج بين الضوء والظل، حيث يعتبر الضوء هو مانحاً أساسياً للوجود.
من أنواع الظلال:
⦁ الظل الذاتي: وهو الجزء الغير مَعْرِض للضوء.
⦁ ظل ساقط: وهو إسقاط لحدود الظل الذاتي على الأسطح المجاورة.
⦁ شبه ظل: وهي حالة الوَسَط بين الظل والضوء.
للظل العديد من الإستخدامات حيث كان يستخدم في العمارة الدينية الغربية لتهيئة جو ديني روحاني والحصول على الغموض وكانوا يستخدمونها أيضاً لتقوية وإثارة مشاعر التبجيل والتقدير لدى الناس. كما كان للعمارة الإسلامية نصيب من التشكيل الجمالي بإستخدام الظلال، حيث كانوا يستخدمونها لحماية المباني من الحرارة العالية ولتعديل المناخ حيث يتم تظليل الأفنية الداخلية ووضع المشربيات على واجهات المنازل، كما يستخدم الظل لإظهار البعد الثالث للمباني وتحديد مقدار العمق والبروز في الواجهات المعمارية، وغالباً ما تُستغل في التأثيرات البصرية للإنسان وتعتمد أبضاً على نوع المبنى إن كان سكنياً أو تجارياً أو تعليمياً.
فيما يلي بعض من استخدامات الظل والنور في الواجهات الكتل المعمارية وتأثيرها على جو المكان:
صممت قبة متحف اللوفر بشكل مستوحى من أشجار النخيل والطبيعة في أبو ظبي، وتم استخدام التظليل الشمسي لسقف القبة والتظليل الذاتي للمباني، والسماح لدخول ضوء النهار لداخل المبنى من دون زيادة حرارته مما يساعد أيضاً على تحريك وتدفق الهواء داخل المبنى.وتُعد قبة المتحف، المستوحاة من الهندسة المعمارية العربية، بنية مُعقّدة مُكونة من 7,850 نجمة، مُكرّرة بمختلف الأحجام والزوايا في ثماني طبقات مختلفة. وعند مرور الشمس فوقها، تنساب أشعتها بواسطة نجوم القبة لرسم تأثير مُلهم داخل المتحف، يُعرف بإسم “شعاع النور”. فأوراقها تلتقط أشعة الشمس الساطعة من أعلى بحيث تنساب بقعاً من الضوء على أرض المتحف.
استخدم في تصميمه ترميزاً لحياة البرزخ والمرحلة الإنتقالية بين المادة والنور وبين الوجود الحسي إلى الوجود الغير مرئي.
وهو يعتبر معبد لجميع الآلهة في روما حيث يسقط الضوء من ثقب مركزي كبير يسمى (العين) في الجزء العلوي من القبة، مما يؤكد منحنى السقف بواسطة التلاعب بالظل والنور، حيث أنه يؤكد رمزية ارتباط السماء بالعالم الأرضي.
أثر الظلال والإضاءة في الإيحاء البصري للواجهات:
لطالما كان الضوء ظاهرة تؤثر في الإنسان من الناحية الروحية والفيزيائية، فكان الضوء هو العامل المحرك والمحفز للمعماريين وتعاملهم معه على أنه عنصر تصميمي وليس فقط عنصر يوفر الرؤية الواضحة في المكان، حيث يُعرف المكان على أنه مكون من أماكن مضيئة وأماكن مظلمة فالتلاعب بالضوء والظل له أهمية وتأثير كبير على المكان من الناحية الحسية والإيحائية، كما أن للإضاءة الإصطناعية دوراً مهماً في تغير شكل الواجهة وإعادة تشكيلها من جديد. غالباً ما يستخدم الضوء في توفير رؤية سهلة وواضحة إلا أنه بمزجه مع الظل يعطينا ظاهرة حسية جمالية، حيث أن العين تعتبر عضو حساس له قدرة كبيرة على التمييز بسبب حساسيته للضوء ، كما يجعل الذهن يحدد طبيعة الأشياء بذلك يتشكل الإنطباع لدى الإنسان. إن علاقة الضوء بالعمارة علاقة تبادلية حيث أن الضوء لا يصبح مرئياً إلا بسقوطه على جسم أو شكلٍ ما ويؤثر في عناصر التصميم والحجم واللون والتباين أو من حيث تأثيره في جذب النظر إلى مكان ما.
العَلاقة بين الظل والنور والشكل والخامة:
يعتبر اختيار الخامات عنصر أساسي في التصميم وليس مكملاً له، والتعرف على الخامات والعوامل المؤثرة عليها يساعد في الوصول إلى تشكيلات ابتكارية.
تتأثر الخامات بالقيمة الضوئية من خلال شدة الضوء وزاوية الإسقاط والشكل، مما يؤثرا ذاً على ملمس الخامة،
ينقسم الملمس في العمارة إلى نوعين:
⦁ النوع الأول:
ملمس بصري وهو مثل النوافذ والأبواب والمواد الصلبة ويظهر من خلال تنظيم العناصر المعمارية.
⦁ النوع الثاني:
فهو الملمس الحسي حيث يمكن الحصول عليه من مواد البناء مثل الطوب والزجاج.
ثم إن لشكل السطح المستقبل للضوء تأثيراً واضحاً على شكل وحجم الظل. فالسطوح المقعرة تتسبب في قصر الظل، أما السطوح المحدبة فتسبب في إطالة الظل ولها خاصية تقصير الظل تبعاً نوع ودرجة التحدب للسطح. أما بالنسبة للسطح المستوي فتختلف تبعاً زاوية واتجاه الضوء المُسقط عليه.
دراسة تحليلية لواجهات مباني:
قام طلاب أحد الجامعات بدراسة تأثير الظل على 3 واجهات لمباني تجارية تتكون من بين 3 إلى 10 طوابق وشملت الأشكال الآتية:
⦁ الواجهة المنتظمة:
أثر الضوء بزاوية 45 على إيحاء بإنتظامية الواجهة، أما الضوء بزاوية 60 فأوحى بديناميكية الوجهة، أما الضوء بزاوية 80 فقد أوحى بإستقرار أكثر للواجهة. الواجهة الغير منتظمة: أثر الضوء بزاوية 45 على التقليل من التناقضات البصرية بالواجهة وجعلها تميل للإستقرارية أكثر، أما الضوء بزاوية 60 فقد أوحى بأن شكل الواجهة بانورامي أكثر وزاد من ديناميكيتها، أما الضوء بزاوية 80 فقد أوحى بإنتظام الواجهة وتناظرها.
⦁ الواجهة المختلطة:
أثر الضوء بزاوية 45أن الواجهة متصلة، أما الضوء بزاوية 60 قد أوحى أن الواجهة ديناميكية وذات اختلافات حقيقية. أما الضوء بزاوية 80 فقد أوحى بتناظر بصري وانتظامية أكثر.