لطالما اُعتبُرَ تطويرُ العلاقةِ بينَ المدينةِ والميناءِ موضوعاً مُلهماً للكثيرِ منَ الجهاتِ الفاعلةِ، بالنَّظرِ إلى مجالاتِ التّفاعلِ العديدةِ التّي توفرها هذهِ العلاقةُ، لذلكَ يُقدمُ المهنّدسونَ المعماريّونَ والمخططونَ الحضريّونَ والمؤرخونَ العديدَ منَ الدّراساتِ التّي تتناولُ هذهِ العلاقةَ في جوانبٍ عديدةٍ، منها تمزّقُ العلاقةِ بينَ وظيفةِ المدينةِ والميناءِ باعتبارهِ العنصرَ الأولَ لبلورةِ المدينةِ السّاحليّةِ، وتَغيّرِ المناظرِ الطبيّعيّةِ الحضريّةِ، ومورفولوجيا الميناءِ، كما يلعبُ المكوّنُ العضويُّ والمحفّزُ الاقتصاديُّ والتاريخُ الثقافيُّ دوراً هاماً في إمكانيةِ إيجادِ نموذجً منهجيًّ مفاهيميًّ يُساهمُ في التنّميةِ والتّقاربِ بينَ الإنسانِ والطّبيعةِ و الموانئِ، وذلكَ لكونهَا عواملٌ مؤثرةٌ إلى حدٍّ كبيرٍ في وجودِ أكبرِ مدنَ العالمَ، واعتمادهَا اقتصاديّاً على شبكةٍ دوليّةٍ لنقلِ البضائعِ بدلاً منَ النّقلِ المحليِّ. إنّ هذهِ المناطقَ المرفئيةَ تُحافظُ على فرصٍ حقيقيّةٍ للديناميكيّةِ الاقتصاديّةِ والاجتماعيّةِ لتمكينِ المدنِ السّاحليّةِ من إنعاشهَا وتطوّرهَا. لذا يجبُ أن يمثلَ الميناءُ تاريخَ مدينتهِ مراعياً علاقتَه الوثيقةَ بينهِما، فبدورهِ الهامِّ يوجّهُ إلى استجابةٍ أفضلَ لطريقةِ التّفكيرِ في العلاقةِ بينَ المدينةِ والميناءِ، من خلالِ اتباعِ استراتيجياتٍ جديدةٍ وخططٍ مطورّةٍ لمواجهةِ القيودِ المفروضةِ على التّنميةِ الحضريّةِ المستدامةِ.
يُعرّفُ الميناءُ بأنّهُ مكانٌ لتحميلِ أو تفريغِ البضائعِ، أو الرّكابِ، أو الحصولِ على وقودٍ أو مؤنٍ أو ماءٍ، وكما يمكنُ اعتبارَهُ مكانٌ لركنِ أو حمايةِ السّفنِ والبواخرِ. ينطبقُ هذا المصطلحُ على هذه الأماكنِ سواءَ كانت طبيعيّةٍ أو صناعيّةٍ.
تصنّفُ الموانئُ إلى أنواعٍ مختلفةٍ حسبَ موقعِهَا وحجمِهَا وأنشطتِهَا والّتي يمكنُ تعدادُهَا كما يلي:
هي الموانئُ الّتي تقعُ على المحيطاتِ، مثلَ ميناءِ روتردام في هولندا، وميناء شنغهاي في الصين.
هي الموانئُ الّتي تقعُ على سواحلِ البحارِ والمحيطاتِ، مثل ميناءِ الإسكندريةِ في مصر، وميناءَ دبي في الإماراتِ العربيّةِ المتَّحدةِ.
هي الموانئُ الّتي تقعُ على الأنّهارِ والبحيراتِ، مثلَ ميناءِ أسوان في مصرَ، وميناءِ جينين في الصّين.
هي الموانئُ ذاتُ النَّشاط السّياحيِّ الّتي تستقبلُ السُّفنَ السّياحيّةَ، مثلَ ميناءِ ميامي في الولاياتِ المتّحدةِ الأمريكيّةِ، وميناءِ برشلونة في إسبانيا.
هي الموانئُ الّتي تُستخدمُ لتحميلِ وتفريغِ البضائعِ، مثلَ ميناءِ نيويورك في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وميناءِ قوانغتشو في الصّين.
هي الموانئُ التي تُستخدمُ لتصديرِ واستيرادِ المنّتجاتِ الصّناعيّةِ، مثلَ ميناءِ لوس أنجلوس في الولاياتِ المتّحدةِ الأمريكيّةِ، وميناءِ سابورو في اليابان.
يتجلى هذا الانقسامُ في عدّةِ مظاهرٍ يمكنُ تعدادُها كما يلي:
يمكنُ أن يفصلَ بينَ المدينةِ ومينائِها حاجزٌ طبيعيٌ، كنهرٍ أو منحدرٍ، أو حاجزٍ صناعيٍّ كطريقٍ سريعٍ أو سكةٍ حديديّةٍ. ممّا يَحدُّ منَ التبادلِ الاقتصاديِّ والثقافيِّ بينَ المدينةِ والميناءِ.
اختلافُ الأنّشطةِ الاقتصاديّةِ والاجتماعيّةِ في الميناءِ والمدينةِ يؤدّي إلى فصلٍ بينَ السُّكانِ والمصالحِ المطلوبةِ، على سبيلِ المثالِ قد يكونُ الميناءُ تجاريّاً بينما تكونُ المدينةُ صناعيّةً أو سكنيّةً فيخلقُ صعوبةً في التّكاملِ بينَ الميناءِ والمدينةِ، مؤدّياً إلى مشاكلٍ اقتصاديّةِ واجتماعيّةِ.
منَ الممكنِ أن يختلفَ سكانُ الميناءِ عن سكانِ المدينةِ بالثّقافةِ والتّعليمِ والتّوظيفِ والدّخلِ. فيؤدّي إلى مشاكلٍ اجتماعيّةٍ وصعوبةٍ في التّواصلِ.
وذلكَ لعدّةِ أسبابٍ وعواملً يُمكنُ تسليطُ الضوءِ عليها والمتمثّلةِ فيما يلي:
تسبّبَ الفصلُ بينَ المدينةِ ومينائِها بعدةِ مشاكلً وعواقبً، أهمُّها:
أدركت معظمُ المدنِ السّاحليّةِ أنَّ الميناءَ موقعٌ استثماريٌّ ومَعلَمٌ تاريخيٌّ هامٌّ، فتوجّهَت لتعزيزهِ والمحافظةِ عليهِ، وذلكَ بالاستفادةِ منهُ بإنشاءِ واجهاتٍ بحريّةٍ جذّابةٍ تعكِسُ رغبةَ النَّاسِ برؤيةِ مدينةٍ ساحليّةٍ ذاتُ تاريخٍ وطابعٍ تراثيًّ خاصٌّ بها، فإعادةُ تطويرُ الواجهةِ البحريّةِ تعتبرُ أحدَ أبرزِ المظاهرِ القيّمةِ للمدنِ السّاحليّةِ، الَّتي تهتمُّ بالنّواحي البيئيّةِ والحرصِ على الحفاظِ الجّانبِ التَّاريخيِّ والنّشاطِ الاجتماعيِّ، والسّعيِ إلى تفعيلِ وتحسينِ القاعدةِ الاقتصاديّةِ للمدينةِ ومينائِها الَّتي يجبُ ألَّا تتعرضَ للإهمالِ أو الخطرِ. كما يمكنُ للاستخداماتِ المثاليّةِ للأراضيِ الصّناعيّةِ، التّرفيهيّة، التّجاريّةِ والسّكنيّةِ أن توجَّهَ لتحقيقِ نجاحِ هذهِ الرّؤيةِ المستقبليّةِ، الَّتي تمَّ إثباتِ نجاحَها في كلٍّ من ميناءِ مرسيليا وميناءِ برشلونة وميناءِ طوكيو.
وكذلكَ فإنَّ عمليةَ التَّباعدِ بينَ المدينةِ ومينائِها خلقتَ فرصَاً لإعادةِ تطويرِ مناطقِ الموانئِ الغيرِ مستغلّةٍ أو القديمةِ أو حتّى المهجورةِ منها والَّتي تعتبرُ نقطةٌ إيجابيّةٌ. لذا تمَّ وضعُ خططٍ واستراتيجياتٍ لتطويرِ العلاقةِ المستقبليّةِ للمدنِ السّاحليّةِ وموانئِها من قِبَلِ الرَّابطةِ الدوليّةِ للمدنِ والموانئِ، فيما يلي بعضُ الاستراتيجياتِ الَّتي يمكنُ استخدامُها في تعزيزِ وتحسينِ العلاقةِ والتّعاونِ بينَ النّظامينِ: