العمارةُ العثمانيةُ الهندسيّةُ هي من أهمِّ الإنجازاتِ الّتي تركتهَا الدّولةُ العثمانيّةُ، حيثُ امتدت هذهِ العمارةُ على مساحةٍ شاسعةٍ من أوروبا وآسيا وأفريقيا، وأثّرت على تطورِ العِمرانِ وإضافةِ الكثيرِ من العناصرِ المعماريّةِ الّتي لم يكن لها وجودٌ من قبلُ.
أصابَ دولة المماليكِ الضّعفَ، وانتقلَ الحُكمُ من بعدهم للعثمانيّينَ سنةَ 923هـ/1517م وبذلكَ فقدت البلادُ استقلالَهَا، ورحلَ الصُّناعُ المَهَرةُ والفنيّينَ، وأصابَ مِصرَ ركودٌ فنيٌّ وسياسيٌّ وأصبحت ولايةً تركيّةً، ولكن هذا الرُّكودُ استمرَ لفترةٍ قصيرةٍ وهي فترةُ المنشآتِ المشيّدةِ على يدِ عبدِ الرّحمنِ كتخدا.
يقعُ في الجهةِ الشَّماليّةِ الشَّرقيّةِ من قلعةِ الجبلِ في المنصورةِ، وقد أنشأهُ الأميرُ أبو منصورٍ قسطه الأمويّ في سنةِ 535 هجريّة، ثم جدّدهُ سليمان باشا الخادم والي مِصرَ في عهد السُّلطانِ سليمان سنة 935 هجريّة. يعتبرُ أوّلُ مسجدٍ عثمانيٍّ في مِصرَ، وقد تأثَّر في عمارتِهِ بالعمارةِ المملوكيّةِ في الكتاباتِ والزَّخارفِ.
القسمُ الأولُّ: هو بيتُ اللهِ ومغطى بقُبةٍ مركزيّةٍ ضخمةٍ في الوسطِ محمولةً على مثلثاتٍ كرويّةٍ منَ الأركانِ، ويحيطُ بها من ثلاثِ جهاتً ثلاثُ إيوَاناتٍ أعمقُهَا وليسَ اوسعُهَا إيوانُ القِبلةِ، يُقابلُهُ مِحرَابٌ ذو عَقدً مدببٍ، زُينَ بزخارفٍ رخاميّةٍ ملوّنةٍ، والجزءُ العلويُّ من جدرانِهِ به كتاباتٌ قرآنيّةٌ واسمُ المنشأةِ واسمُ سلطانِ الدَّولةِ. وكلُّ إيوانٍ مُغطى بقُبةٍ محمولةٍ أيضًا على مثلثاتٍ كُرويّةٍ.
القسمُ الثّانيّ: وهو الصّحنُ أو يُسمى أيضًا الحَرَمُ، يتوضعُ في الوسطِ ومكشوفٌ، فُرشت أرضيتُهُ بزخارفٍ رخاميّةٍ ملوَّنةٍ، ويحيطُ بهِ أربعُ مِظلاتً تغطيهَا قِبابٌ صغيرةٌ منخفضةٌ، والجهةُ الغربيّةُ من الصّحنِ مغطاةٌ بقبّةٍ صغيرةٍ وبها عدّةُ قبورٍ.
ويُلحقُ بالمسجدِ بِئرٌ للشربِ وفرنٌ لإعدادِ الخبزِ، وحديقةٌ مزودةٌ بقناديلَ للإنارةِ.
واجهةُ المسجدِ: الواجهةُ الرئيسيّةُ هي الجنوبيّةُ الغربيّةُ وبها مدخلٌ بارزٌ، والمِئذنة على يسارِ الواجهةِ وهي منفصلةٌ عن كتلةِ المسجدِ ويبدأ سُلَّمُهَا من الطَّابقِ الأرضيِّ، وتتألفُ من قاعدةٍ مربعةٍ مَشطُوفةُ الأركانِ، يعلوهَا بدنٌ أسطوانيٌّ يحيطُ بهِ شرفتانِ خشبيتانِ، وتنتهِي بقِمّةٍ مخروطيّةٍ مُدبّبةٍ.
أُنشئت بأمرٍ من سُليمان باشا الخادم، وتقعُ جنوبَ بابِ زويلة بآخرِ شارعِ السّروجيةِ، وهي أولُّ مدرسةٍ شيدت في العصرِ العثمانيِّ، وكانت الدّراسةُ بها باللّغةِ العثمانيّةِ ثمَّ تمَّ تحويلُهَا إلى تَكيّةٍ بعدَ فترةٍ لإقامةِ الدراويشِ بِها.
تتكونُ المدرسةُ من صحنٍ مكشوفٍ مربعٍ محاطٌ بأربعِ ظِلاتٍ، كلُّ ظِلةٍ عبارةٌ عن غرفٍ يتقدمُهَا رِواقٍ يَطلُّ على الصَّحنِ. ترتفعُ المدرسةُ عن أرضِ الشّارعِ ويُدخلُ إليهَا بدرجٍ من داخلِ مدخلِها العموميِّ بشارعِ السّروجيةِ.
الرئيسيّة: شماليّةٌ غربيّةٌ تطلُّ على شارعِ السروجية، ويتوسطُهَا مدخلٌ رئيسيٌّ على الطِّراز المملوكيّ، يعلوهُ نقشٌ إنشائيٌّ يَحملُ اسمَ السّلطانِ سليمان، ومنشأةُ سليمانَ باشا يقعُ أسفلُهَا حَوانِيتٌ وطولُهَا ٤٥ مترًا، وبسببِ تهدّمِ أجزائِها بقيَ منهَا ٢٨,٥ مترًا.
الواجهةُ الجنوبيّةُ الغربيةُّ: شبابيكُهَا تفتحُ على قاعاتِ التَّدريسِ.
الواجهةُ الجنوبيّةُ الشّرقيّةِ: خاليةٌ من أيِّ تفاصيلَ معماريّةٍ عدَا بُروزِ المِحرابِ.
يقعُ في شارعِ جامعِ السّنانيّةِ ببولاقِ القاهرةِ، وقد أمرَ بإنشائِهِ سنانُ باشا والي مِصرَ في عهد السّلطانِ سليمِ الثّانيّ، وهو ثاني مسجدٍ بُني على الطِّرازِ العثمانيِّ في مِصرَ.
يتكونُ المسجدُ من بيتِ الصّلاةِ، وهو عبارةٌ عن مساحةٍ مربعةٍ يتوسطُ صدرُها محرابٌ داخلُهُ مزخرفٌ بالأطباقِ النّجميةِ، ومغطىً بقُبةٍ هائلةٍ مبنيّةٍ بالحجرِ منَ الدّاخلِ ومكسوةٌ بالبياضِ من الخارجِ، ويمينُ المحرابِ مِنبرٌ خشبيٌّ مُشابه للمنابرِ المملوكيّة عدا الجوسق الذي يُشبهُ قِمَمَ المآذنِ العثمانيّةِ، وبيتُ الصّلاةِ محاطٌ بثلاثِ أروقةٍ مغطاةٍ بِقبابٍ ضَحلَةٍ. تمَّ وضعُ المَطهَرةِ منفصلةً عن كُتلةِ المسجدِ للحفاظِ على طَهارتِهِ.
واجهةُ المبنى: الشكلُّ الخارجيُّ لها لم يرتبط بنظامٍ معينٍ كما في العمارةِ المملوكيّةِ فجاءت واجهةُ الجامعِ مُتوّجةً بحطّاتٍ من المُقَرنَصَاتِ نُظمت بِها شبابيكٌ.
أمّا واجهةُ الأروقةِ عبارةٌ عن بائكاتٍ ذاتِ عقودٍ مدبّبةٍ ترتكزُ على أعمدةٍ مستديرةٍ من الرُّخامِ ودعاماتٍ حجريّةٍ.
لم ترتبط المِئذنةُ بالمدخلِ، بل وضعت ككُتلةٍ شِبهُ متصلةٍ على امتدادِ حائطِ القِبلةِ، وقد كانت على الطّرازِ العثمانيِّ بنهايةٍ مخروطيّةٍ مُدبّبةٍ.
تمَّ إنشاؤُهُ بأمرٍ من الملكةِ صفيّة زوجةُ السّلطانِ مرادُ الثَّالثُ، ويقعُ بشارعِ السّتِ صفيةَ بالقاهرةِ، ويعتبرُ ثالثُ جامعٍ عثمانيٍّ في مِصرَ.
الجامعُ مرتفعٌ عن منسوبِ الشارعِ بحوالي أربعةِ أمتارٍ، يُصعدُ إليهِ بدرجٍ كبيرٍ مستديرٍ، والمسجدُ مستطيلٌ ينقسمُ إلى قسمينِ:
القسمُ الشّرقيُّ: وهو بيتُ الصّلاةِ ومغطى بقبّةٍ ضخمةٍ محمولةٍ على ٦ أعمدةٍ و٦ عقودٍ وحولَها قِبابٌ صغيرةٌ، ويوجدُ بهذا القسمُ المِحرابُ والمِنبرُ الرُّخاميُّ العثمانيُّ.
القسمُ الغربيّ: وهو الصَّحنُ وبهِ مداخلُ المسجدِ الثَّلاثِ على محوريّةٍ فيتكونُ من أربعةِ ظِلاتٍ مسقوفةٍ بقبابٍ.
والقسمانِ بينهُما اتصالٌ عن طريقِ ثلاثةِ أبوابٍ أعظمُها الأوسطُ، وهذهِ الأبوابُ بها حجورٌ معقودةٌ بعقودٍ مدائنيّة، أمّ الأوسطُ منها شُغِلَ جانباه من الدّاخلِ بحطاتٍ من المُقَرنَصَاتِ.
مئذنةُ الجامعِ تقعُ في الرِّكنِ الغربيِّ من بيتِ الصَّلاةِ وتتكونُ من بَدنٍ مربعٍ يمتدُّ في أركانِه أشكالٌ هرميّةٌ بارزةٌ يليها بدنٌ مستديرٌ يُتَوِجُهُهُ حَطاتٌ من المُقَرنَصَاتِ تحملُ الشّرفةَ الّتي تمتدُ حولَ البدنِ المستديرِ الّذي تعلوهُ القمةُ العثمانيّةُ المخروطيّةُ المدبّبةُ.
أمرَ بإنشائهِ خسرو باشا والي مِصرَ، ويقعُ بشارعِ النّحاسيّةِ بالقاهرةِ وهوَ أقدمُ الأسبِلةِ العثمانيّةِ الباقيّةِ.
السَّبيلُ عبارةٌ عن مساحةٍ مستطيلةٍ بها ثلاثُ دخلاتٍ، الجانبيتانِ للتخزينِ والوسطى للشّاذَرْوانِ وهو اللّوحُ الرّخاميُّ الّذي ينسابُ عليهِ الماءُ ثمَّ يصبُّ في فسقيّة أسفلِهِ، وتتوزعُ إلى حوضينِ أسفلَ شباكيّ الواجهةِ من خلالِ مواسيرَ لإتاحتِهَا لعابِري السَّبيلِ. ويغطي حجرةَ السّبيلِ سقفٌ خشبيٌّ من بَراطِيمَ خشبيّةٍ تحصرُ فيما بينَهَا تماسيحٌ جُلّدَت بالذَّهبِ واللّازوردِ ويرتكزُ على إزارٍ خشبيٍّ ذي حنايا ركنيةٍ ووسطيّةٍ.
واجهاتُ السَّبيلِ: كانَ التّشكيلُ اللّونيُّ لها بنظامِ المشهر، وقد تمّت زخرفَتُها بزخارفَ هندسيّةٍ ونباتيّةٍ مدفونةٌ في الحجرِ، كما وضعَ أعلى الشَّبابيكِ عتبٌ مستقيمٌ مزخرفٌ بالأوراقِ النّباتيّةِ.
عرفت في البدايةِ باسمِ وكالةِ الكخيا نسبةً إلى حسن كتخدا، وتقعُ في شارعِ التمبكشيّةِ بجوارِ مدرسةِ جمالُ الدينِ يوسف الاستادار.
تنتظمُ عناصرُ الوكالةِ حولَ فناءٍ مستطيلٍ مكشوفٍ وتتكونُ من جزأينِ:
الجزءُ الأولُ: وهو جزءٌ تجاريٌّ يضمُ حواصلَ انتظمت حولَ الفِناءِ الدّاخليِّ بالطّابقينِ الأرضيّ والأولُ، بالإضافةِ إلى المحلاتِ التّجاريةِ الّتي تُطِلُّ على الشّارعِ.
الجزءُ الثَّانيّ: جناحٌ سكنيٌ يتكونُ من طابقينِ أعلى الحواصلِ، كلُّ وحدةٍ سكنيّةٍ بهِ مكونةٌ من مدخلٍ ودورةِ مياهٍ ومطبخٍ صغيرٍ وسُلَّمٍ وقاعةُ استقبالٍ ومعيشةٍ بارتفاعِ دورينِ.
الوكالةُ لها مَدخلانِ أحدهُمَا رئيسيٌّ يقعُ في فِناءِ الوكالةِ والآخرُ خاصٌ بالوحداتِ السّكنيّةِ العلويّةِ ولا يتصل بالفِناءِ.
واجهةُ الوكالةِ انقسمت إلى جُزأينِ:
الأولُ وهو السُّفليّ التّجاريُّ ويضمُّ الطّابقُ الأرضيُّ واستعملَ بهِ التّشكيلُ اللّونيُّ.
أمّا الثّاني وهو العلويّ السكنيّ فبرزَ على شكلٍ كِباشِ حجرً، ونُظمت وشُكِّلَت فَتحاتُهُ بطريقةٍ مُغايرةٍ للجزءِ السُّفليِّ التّجاريّ واستعملَ به البياضُ.
يقعُ المنزلُ في شارعِ جامعِ بنِ طولونِ بحيِّ السّيدة زينب القاهرة. أنشأ المنزل الأول الحاجُ محمد بن سالم الجزار عام 1630م وعُرفَ ببيتِ الكريدليّة، وأنشأ المنزلَ الآخرَ المعلمُ عبد القادر الحداد عام ١٥٤٠م وعُرف بمنزلِ آمنةَ بنت سالم والآن يُطلق على المنزلينِ مُتحفُ جائر أندرسون.
المسقطُ الأفقيّ: يتكونُ من فِناءٍ أوسطَ تُفتحُ عليهِ غُرفُ الخدماتِ والمخازنِ والمرافقِ الخاصّةِ بالبيتِ ويعلوهُ ثلاثُ طوابقٍ.
الدّورُ الأوّلُ: ويضمُّ المقعدُ والقاعةُ الشّتويّةُ وغرفةُ الخزانةِ المعروفةِ بقاعةِ الصّورِ وقاعةُ الحَريمِ.
الدّورُ الثّانيّ: ويضمُّ غرفةُ الكتابةِ وغرفةُ القراءةِ.
الدّورُ الثّالثُ: وبهِ قاعةٌ تفتحُ على الخارجِ ولها بابٌ يؤدّي إلى حديقةِ السّطحِ.
المسقطُ الأفقيُّ: يتكونُ من فِناءٍ أوسطَ تفتحُ عليهِ غرفُ الخدماتِ والمخازنِ والمرافقِ الخاصّة بالبيتِ ويعلوهُ ثلاثُ طوابقٍ.
الدّورُ الأولُّ: ويضمُّ قاعةَ الاحتفالاتِ تتقدّمُ المقعد، عبارةٌ عن مساحةٍ صغيرةٍ تُطِلُ على فِناءٍ.
الدَّورُ الثّانيّ: غرفُ الحريمِ الّتي تشرفُ على قاعةِ الاحتفالاتِ.
الدَّورُ الثالثِ: عدّة حجراتٍ وغرفٌ مستطيلةٌ.
ويتصلُ المنزلانِ معَ بعضهِما في الدَّورِ الثّالثِ عن طريقِ ساباطٍ (قنطرةٍ) على هيئةِ حجرةٍ صغيرةٍ (الحجرةُ البيزنطيّة).
الواجهاتُ: اتسمتِ الواجهاتُ لكِلا المنزلانِ بالبساطةِ واستخدامِ البروزاتِ في الأدوارِ العليا، ممّا أعطى اتساعًا للغرفِ العلويّةِ وسمحَ بإلقاءِ الظِّلِ على الأدوار السّفليّةِس.
وبسيطرةِ محمّد علي على مِصرَ لم يتوقف تأثيرُ العمارةِ العثمانيّةِ عليها، وإنّما استمرت معَ بعضِ الإضافاتِ، وظهرت أيضًا طُرُزٌ جديدةٌ أضافت جمالًا معماريًّا جديدًا على المباني المصريّةِ في تلك الفترةِ.