استحدثت العديد من الفنون المعاصرة خلال القرن العشرين مثل فن البوب الذي ظهر في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في الخمسينيات، والذي يقدم صوراً ولوحات إعلانية مستمدة من الثقافة الشعبية، ومبدأها السخرية والتأكيد على العناصر المبتذلة والهزلية، ومن أبرز فنانين البوب الإنجليزي ريتشارد هاميلتون والأمريكي غاسبر جونز، بالإضافة لعديد من الفنانين الأخرين.
كما ظهر فن التجريدية الغنائية في فرنسا في منتصف القرن الماضي، وهو فن يشمل كل أنواع التجريد ليعبر عن المشاعر الذاتية بطريقة غامضة وغير مفهومة، ومن أبرز رواده الروسي فاسيلي كاندينسكي، والألماني الفرنسي هانس هارتونغ.
وكرد فعل عكسي على سخرية فن البوب، وعفوية وعدم وضوح التجريدية الغنائية، ظهر الفن التقليلي الذي يعرف باسم المينيماليزم في الولايات المتحدة في بداية الستينيات، على أيدي الفنانين الذين
اشتهروا بأعمال تجريدية شكلية وحيادية، مبدأها التقليل والتقليص وإبراز اللب والجوهر، ومن أهمهم النحات روبرت موريس، والرسام فرنك ستيلّا، والموسيقار لامونت يانغ.
مفهوم فن التبسيط:
المينيماليزم أو التبسيطية، هي حركة فنية ظهرت في ستينيات القرن العشرين، هدفها الأساسي هو عرض جوهر الشيء عن طريق إزالة كل ما يربك الناظر من العناصر التزيينية والتعابير المعقدة والتفاصيل، وعرض الموضوع ببساطة قد تصل إلى درجة الخلو من كل شيء باستثناء موضوع واحد.
ازدهرت المينيماليزم في الفنون البصرية والموسيقى حتى وصلت للعمارة والديكور وقطع الأثاث، وكثر مؤيدوها حتى أصبحت أسلوب حياة يهدف إلى بساطة العيش والاستمتاع بالفراغ وتقليل الاستهلاك.
فن التبسيط في العمارة:
البساطة في العمارة تهدف أساساً إلى الربط بين الأسطح العمودية والأفقية وتبسيط الفضاءات، وتصميم الإنارة الطبيعية والصناعية بصورة فنية، وسيولة الفضاءات وانسكابها في بعضها البعض بإزالة أحد الأسطح التي تحدد الفضاء، وتتميز من الناحية الجمالية بالرحابة والتنظيم الواضح للمساحة.
أثَّرت العمارة التبسيطية في تصميم المنازل السكنية، وتميَّزت باستخدام الأشكال الهندسية الأساسية التي يغلب عليها اللون الأبيض على نحوٍ رئيسي، بعد أن كانت المنازل المصمَّمة في فترة الثورة الصناعية مليئةً بالمنتجات المصنَّعة من العناصر والديكورات من أجل الحصول على مظاهر الفخامة والرفاهية في المنازل.
عند الحديث عن تاريخ التبسيطية في التصميم والهندسة المعمارية، لا يسع المرء إلا أن يذكر الألماني "لودفيغ ميس فان دير روه" الذي سعى إلى تبسيط المظهر الخارجي للمبنى قدر الإمكان، لتحرير مساحة، وكان الشعار الرئيسي لعمله "الأقل هو الأفضل". كما أن للتبسيطية علاقةٌ وثيقةٌ مع فرضية أو مقولة "الشكل يتبع الوظيفة" وإلَّا ستكون الأشكال البسيطة المستخدمة عشوائية وغير مهمة، فالتبسيطية تجمع البساطة والوظيفية.
وقد تميَّزت التبسيطية في أعمال بعض المعماريين مثل " لودفيغ ميس فان دير روه "و "لويس خان" بالهيكلية المعقَّدة التي يغلفها الشكل البسيط، فلم يعد تمثيل الشكل المعماري عن طريق الفراغ فقط، بل تعدَّاه إلى استخدام مغلف المبنى المكوَّن من طبقاتٍ عدة، ومن الأمثلة عن ذلك الجناح الألماني الذي صُمم من قبل لودفيغ ميس فان دير روه في المعرض الدولي في برشلونة عام 1929م والذي قدَّم فيه البساطة والشفافية باستخدام الواجهات الزجاجية التي تغلِّف الجناح، والهيكلية الفولاذية المكوَّنة من ثمانية أعمدة فولاذية مغطاة بصفائح مطلية بالكروم، تحمل السقف الذي تبلغ سماكته 50 سم والمكون من هيكلية فولاذية مغلَّفة بألواح الجبس، وتظل المبادئ الرئيسية لهذه الاتجاهات هي الدقة والهندسة وتوافق المظهر الخارجي للمبنى مع وظائفه، فكلما تغيرت وتيرة الحياة وأسلوبها يسعى الناس جاهدين من أجل البساطة والموثوقية.
فن التبسيط في التصميم الداخلي:
أما في التصميم الداخلي، فيُفضل مصمموا التبسيطية استخدام المواد الطبيعية كالحجر، والخشب، والجلد، وأقمشة الكتان، مع التركيز على الملمس الخام للطوب، والخرسانة، والجبس، والألوان الفاتحة وخاصةً اللون الأبيض الذي يعكس الإضاءة على نحوٍ أفضل أو الألوان الحيادية التي تعكس لون الطبيعة، ويرفضون استخدام الألوان المتعدِّدة أو التنوُّع في مظهر وملمس المواد المستخدمة لأنها تُتعِب العين وتخلق إحساسًا بالفوضى، كما يؤدّي الظل والنور دوراً مهماً في إظهار المواد المستخدمة في التصميم التقليلي.
في التصميم الداخلي البسيط المثالي، يشغل الأثاث 20٪ فقط من المساحة. وتتمثل سماته الرئيسية في الأشكال الهندسية والمواد والوظائف الطبيعية البسيطة. يساعد الجمع بين عدة وظائف في قطعة أثاث واحدة مثل أريكة قابلة للتحول لسرير، وطاولة قابلة للطي على عدم تشويش المساحة. وللغرض نفسه؛ غالبًا ما يكون المبنى مجهزاً بأجهزة مدمجة لإنشاء تصميم داخلي بأسلوب التبسيط الياباني، حيث يقوم بتحرير المساحة إلى أقصى حد، إضافة الى استخدام أقسام وشاشات خفيفة لتقسيم المناطق. كما يجب أن يكون الأثاث في مثل هذا الجزء الداخلي منخفضًا وخالي من الديكورات الزائدة أو المبالغ بها، بالإضافة إلى أفضلية دمج المعدن مع قطع الأثاث حيث يمكن أن تكون للكراسي والطاولات أرجل معدنية، ويمكن استخدام الرفوف المعدنية لأهداف وظيفية وجمالية.
ومن الأمثلة التي وظف فيها الظل والنور لإظهار المواد البسيطة المستخدمة في التصميم، مشروع منزل كوشينو (Koshino House) في مدينة أشياشي (ASHIYA-SHI) في اليابان الذي صممه المعماري تاداو أندو (Tadao Ando) في عام 1984م.
يتميز تصميم تاداو أندو لمنزل كوشينو ببساطته، فهو عبارة عن مستطيلين متوازيين من الخرسانة التي تم تشكيلها واللعب فيها للحصول على أقصى حد من الإضاءة الطبيعية داخل المنزل. وعند تأمل بساطة المشروع من حيث الأشكال الهندسية البسيطة المكونة للكتلة، والمواد المستخدمة للواجهات والداخل، وكيفية توظيف الإضاءة الطبيعية، ندرك أنه يتسم بمعظم عناصر المينيماليزم أو فن التبسيط.
يكمن إتباع هذه المدرسة الحياتية في التخلي عن الكثير من الأشياء غير الأساسية والتركيز على الضروريات لنتمتع بحياة أقل تعقيداً وأكثر إثرائاً.