إهتمت العمارة الإسلامية بكل ما يخدم الإنسان لتحسينه، وتقويمه، حيث أبدعوا في تخطيط الحمامات، والحدائق التي تذكر الإنسان بعظمة الخالق. ولا ننسى التفنن في الزخارف العمرانية.
من واجبنا أن نعرّف العمارة الإسلامية قبل شروعنا لعرض أيقوناتها. فقد تعددت تعاريفها، وبقي أساسها واحد. فهي العمارة التي نشأت مع نشوء الدولة الإسلامية، وإستمرت طيلة فترة الحكم الإسلامي بالتطور والتوسع، حيث أنها تطبعت بصفات المناطق التي وصلت إليها، إمتدت من الصين شرقاً إلى إسبانيا غرباً.
تعتبر المساجد من أهم المعالم الإسلامية، فلم تكن دوراً للعبادة فحسب، وإنما أُتخذت مراكز للعلم، ومعاهد للدراسة، ونشر الدعوة الإسلامية، فصنفت المساجد إلى طُرز ومدارس.
ومن أبرز المعالم والتي نستعرضها لكم بصورة مختصرة:
مسجد النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
هنا، نستعرض لكم أول نشأة المسجد (قبل أن يتم تطويره وتوسيعه). فهو ثاني مسجد في الإسلام بعد مسجد قباء، حيث لم يبق من بنائه الأصلي شيء.
.ضم المسجد النبوي مكان سكنه صلى الله عليه وسلم، حيث شُيد المبنى من الطوب بمساحة 50×50 م، تكونت غالبها من الفِنَاء.
اُعتمد هذا النموذج لمدة خمس قرون، حيث سماه الباحثون بمخطط Hypostyle (مسجد الأعمدة المتعددة) وهو نظام ذو تكرار عمودي، يكون الوحدة الأساسية على طول مخطط المسجد، وتُشكل كل الأربعة أعمدة حيزاً، يطلق عليها (البلاط) وبتكرار البلاطات – أفقياً وعمودياً – ينتج لدينا (الرواق).
فهذا النظام البسيط والمرن، يسمح بإستيعاب أعداد كبيرة من المصلين، ويسهل من عملية التوسعة في المستقبل.
لم يتضمن المسجد أي من المئذنة أو القبة، ومن الداخل حيث لم يحوِ على محراب، وإنما اشتمل على وجود المنبر، وهي منصة متحركة (مصنوعة من الخشب) ليتم فيها إلقاء الخطب. حيث أن من أهم أجزاء المساجد الإسلامية (والتي اعتمدت بداية العصر الأموي) المئذنة والقبة من الخارج، والمحراب، والمنبر من الداخل
مصلى قبة الصخرة (أولى القبلتين):
يقع مصلى قبة الصخرة داخل حدود المسجد الأقصى، والذي يضم عدة معالم إسلامية أخرى، يصل عددها إلى 200 معلم أهمها المسجد القبلي.
يحوي المسجد الأقصى على أربع مآذن (مئذنة باب المغاربة ومئذنة باب السلسلة ومئذنة باب الغوانمة ومئذنة باب الأسباط)، وسبع مصليات.
بنى قبة الصخرة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، دام بناؤه ست سنوات، حيث أشرف على بنائه المهندسان (رجاء بن حيوه الكندي ويزن بن سلام) تعتبر هي القبة الرئيسية للمسجد الأقصى.
غلب على المواد المستخدمة في البناء الرخام، من الداخل والخارج، أما مخطط القبة فهو عبارة عن بناء مثمن الأضلاع له أربعة أبواب يتوسطه مثمن آخر يقوم على دعامات وأعمدة إسطوانية (أخذت أو استنبطت من المعابد الرومانية – مخطط البازيليكا -)، تتوسطه فَتْحَة دائرية تطل على الصخرة المشرفة (التي عرج منها النبي صلى الله عليه وسلم) إلى السماء. تعلو الصخرة قبة دائرية قطرها 20م وارتفاعها 35م، مطلية من الخارج بألواح من الذهب.
من الواضح أن هذا المخطط مقتبس من الكنائس البيزنطية (مخطط بازيليكا).
يعتبر العصر الأموي من المراحل المهمة (عصر التطور الفني والعمراني)، حيث وظف الأمويون معظم الطرز الفنية والمعمارية الرومانية في بنائهم. حيث استخدموا الفسيفساء، والزجاج الملون والخشب، وإعتمدوا على تغيير ما تحويه ألواح الفسيفساء من صور الشخصيات إلى زخارف نباتية، وهندسية، وخطية أيضاً، وذلك لأنها تنافي عقيدة التوحيد.
قصر الحمراء:
بني قصر الحمراء في غرناطة على هضبة سيرانيفادا. شيده ملك غرناطة محمد الفاتح الملقب بالأحمر، مابين (1238 – 1273)م وإستغرق بناءه أكثر من 120 سنة.
قصر الحمراء عبارة عن قصور مجتمعة، فيها قاعات, وثلاثين برجاً, وإثنا عشر حماماًإ وغيرها الكثير. قسم إلى عدة أقسام، إمتدت على طول 1720م.
لهذه الأقسام قيمة دفاعية عالية، حتى إذا ما تم الهجوم على أحد الأقسام, تُنبأ الأقسام الأخرى، ويتم الفصل، ويحكم الإغلاق. سنذكر من هذه الأقسام (القصور الناصرية)، وهي ثلاثة أقسام موصولة مع بعضها البعض:
من مميزاته (نافورة الأسود) التي تتوسط بهو هذا القصر، وهي عبارة عن حوض من المرمر المستدير مرفوع على إثني عشر أسداً من الرخام، تخرج المياه من أفواهه حسب ساعات النهار.
تعطلت هذه الخاصية بعد سقوط الدولة، فلم يعلم الإسبان كيفية عملها. حيث برع المسلمون في القصر بصورة غير مألوفة فلم يبق منهم أحد حتى يتوارثوا هذه المهارات.
أما من حيث تصميمها الداخلي، فمهما نذكر لكم من روعتها لن نوافي شيئاً منها.
أرضياته معظمها مغطاة بقطع من الرخام، أما الجدران فهي مغطاة ببلاط عبارة عن خزف مصقول (قطعت بأشكال هندسية متقنة وقياسات محددة) ثم ترتب على الحائط بأشكال الفسيفساء, و أيضاً تُصنع منه الزخارف النباتية، والهندسية الرائعة.
يعلو هذا الجزء من الحائط جص منقوش يدوياً نقوشاً هندسية ونباتية وخطية، حيث كثرت في أرجاء القصر النقش الخطي والذي يذكر فيه (لا غالب إلا الله) حوالي 9000 مرة.
وعند الأقواس والمنحنيات والقبب، نرى جمال المقرنصات التي تعبر عن تطور الهندسة الثلاثية الأبعاد، فإضافة إلى هدفها الجمالي فلها هدف متصل بهندسة الصوت في القاعات. حيث اختلفت سقوف القاعات من القبب المغطاة بالمقرنصات إلى السقوف المغطاة بالخشب والزجاج المنقوش باليد نقشاً نباتياً Arabesque.
ولا ننسى في الخارج (جنان القصر)، فقد بنيت بطريقة التماثل Symmetrical -والتي تعبر عن كمال الخالق- ينتصفها قنطرة أو بركة، محاطة يميناً وشمالاً بساحات وأشجار وعلى الأطراف والأقواس الممرات.
ومن أسباب ترتيبها بهذا الشكل لتذكير الحاكم بأن هذه الدار فانية، وأن العدل مطلوب فيها لبلوغ الجنة التي تريد الوصول إليها، حيث أن الطبيعة، والجمال تجعل الإنسان يتفكر بوجود خالقه من خلال مراقبة حكمته، وعظمته في مخلوقاته.
حيث كانت القاعات الرئيسية التي يتواجد فيها الحاكم تطل على هذه الحدائق، منها قاعات الصلاة التي تزخرفت بالنقش القرآني, والذي يؤكد على أهمية الصلاة، والتفكر في عظمته سبحانه.
المدرسة المستنصرية:
أنشأت المدرسة المستنصرية في أواخر حكم الدولة العباسية (1226 – 1242)م على يد الخليفة المستنصر بالله، وهي من أولى المدارس أو الجامعات التي درست المذاهب الإسلامية الأربع (الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي).
تم فيها تدريس مختلف العلوم من الطب وعلوم القرآن والسنة النبوية الشريفة إضافة إلى اللغة العربية والرياضيات وغيرها.
تقع المدرسة في جهة الرصافة من بغداد (القسم الشمالي لنهر دجلة)، شيدت على مساحة 4836 م مربع، تطل على النهر إلى جانب قصر الخلافة القريب من المدرسة النظامية. بنيت المدرسة من الآجر (الطابوق) تتوسط باحة المدرسة الواسعة نافورة، بالإضافة إلى ساعة مائية، تعلم من في المدرسة بأوقات الصلاة وتعد هذه الساعة (كما ذكرت الساعة في قصرالحمراء) شاهداً على تطور المسلمين في علوم الهندسة.
تحيط الباحة غرف موزعة على طابقين، أربعون غرفة في الطابق الأول وست وثلاثون في الثاني – إضافة إلى الشرفات المطلة على الباحة – مكونة من قاعات تدريسية وحمامات، إضافة إلى غرف مبيت الطلبة الذين كانوا يأتون من مختلف أقطار الدولة الإسلامية.
تتميز المدرسة بالأقواس المدببة والزخارف المنقوشة على الحجر وعلى الجص (هندسية ونباتية)، يتوسط كل جانب من جوانب المدرسة إيوان، حيث تم تدريس المذاهب واحداً في كل إيوان.
تميزت مباني العصر العباسي بصلابتها، وحدتها من الخارج والداخل، ونرى من الداخل جمال الزخارف والنحت الدقيق على الجدران والأعمدة. حيث أنها سلمت من الغزو المغولي، لكن العلماء والدارسين لم يسلموا فتوقف التدريس فيها حتى قدوم العثمانيون إلى المنطقة.
جامع القيروان (جامع عقبة بن نافع):
بناه القائد عقبة بن نافع بعد فتح الشمال الإفريقي 670 م، وتأسيس مدينة القيروان التي بني فيه هذا الجامع.
يعتبر مخطط القيروان من المساجد المتعددة الأعمدة Hypostyle. تبلغ مساحته 9000 م مربع، وكما هو معروف في هذا النوع نرى وجود عدد كبير من الأعمدة أغلبها روماني بيزنطي أعيد استخدامها، فتشكل فيما بينها الأروقة.
تحوي قاعة الصلاة على أكثر من 400 عمود، ربط البعض منها ببعض لتشكل مجموعة من ثلاث أو أربع إلى ست أعمدة.
أما فِنَاء الجامع فهو محاط بثلاث أروقة من الجهات الثلاث، عمق كل منها صفان من الأعمدة، حيث تم تنظيم تخطيط المسجد بمحور طولي (يصل المحراب بالمئذنة) لكن هذا المحور غير مستقيم لعدم انتظام مخطط المسجد.
ومن السمات الفريدة في هذا البناء، توسعة رواقين في قاعة الصلاة المحاذي لجدار القبلة والرواق العمودي عليها، لتشكل في المخطط حرف T.
تتوسط المئذنة رواق الفِنَاء المقابل لقاعة الصلاة، بإرتفاع 315 م مقسمة إلى ثلاث مستويات، تعلوها قبة يقطينية الشكل.
تعلو قاعة الصلاة قبتان الأولي فوق المحراب والثانية تقابلها (عند الطرف الأخر من الرواق المتعامد مع جدار القبلة)، وثلاث قباب أخرى تقع كل منها في المدخلين الشرقي والمدخل الغربي للجامع.
يوحي الجامع من الخارج بأنه حصن ضخم، وذلك بسبب جدرانه السميكة والمائلة من الأعلى إلى الداخل.وهنا يلاحظ أن عمارته مستوحاه من العمارة العباسية من حيث القساوة والضخامة ومن حيث استخدام مواد البناء أيضاً.
مسجد الشاه:
بني في عهد الشاه عباس الأول (عباس الأكبر) الحاكم الصفوي سنة 1638 م.
يعتبر مخطط المسجد من نوع المساجد ذات الإيوانات الأربعة four Iwan ومن أكبر إيوانات المسجد هو الذي يرتبط بإتجاه القبلة، والذي يسبق القبة المركزية الكبيرة. تقع قاعة الصلاة الرئيسية تحت القبة، المركزية، كما وتقابل باقي الإيوانات قبب لكن أصغر حجماً من الرئيسية. يحد الإيوان الرئيسي من الطرفين مئذنتين، كما يحد إيوان المدخل الرئيسي مئذنتين أيضاً.
كانت أغلب المآذن الصفوية تتخذ دور العنصر المعماري الرمزي (البصري) فلا تستعمل للأذان بالضرورة، وإنما يتم الأذان من أحد الأكشاك التي تقع على أحد إيوانات المسجد.
يغطي البلاط الفسيفسائي الأزرق اللون معظم المسجد من الداخل والخارج، ونلاحظ وجود المقرنصات داخل قبب الإيوانات الأربع، والتي بدورها تكون مغطاة بالفسيفساء أزرق اللون. حيث تميزت المنطقة بإجتياح اللون الأزرق على أسطح مبانيها. (haftrang) هو البلاط ذو السبع ألوان، هي تقنية للرسم على الزجاج وتلوينه (التزجيج) ولا يزال يستخدم إلى اليوم.
لا يشترط فيه استخدام سبع ألوان (الأزرق والفيروزي والأحمر والأصفر والأسود والأبيض والبيج)، فعلاقة الألوان ببعضها وتكوينها أهم، حيث تكون الألوان مفصولة عن بعضها بخطوط منوع خاص (مغنيسيوم مخلوط بالزيت).1
وصل هذا النوع من البلاط إلى حد الكمال في شيراز، وكان أول نشوءه (أول من ابتكره الأيوبيين).اختلفت في شيراز عن غيرها من المناطق من حيث الجودة والمكونات الكيميائية.
يواجه مسجد الشاه الميدان، حيث يحيط الميدان عدة أبواب تقود إلى مسجد الشيخ لطف الله من جهةوأخرى إلى مجمع القصر الملكي (الصفوي) والأخيرة تقود إلى بازار أصفهان.
من بين الصفاة البارزة (الهندسية) في المسجد هي كيفية التوفيق بين الإتجاهين المختلفين للميدان واتجاه القبلة. حيث تم ذلك عن طريق إضافة مساحة مثلثة لإيوان المدخل, أحد أضلاعه يوازي جدار القبلة والضلع الآخر يوازي اتجاه الميدان.
جامع السليمانية:
بنى هذا الجامع المعماري الشهير سنان باشا 1559 م، حيث يعتبر من أبرز المعماريين في العالم الإسلامي، كان سنان مسؤول عن أكثر من 300 مبنى على مدى سيرته المعمارية.ويعتبر جامع السليمانية إلى جانب جامع السليمية من أشهر أعماله.
يقع الجامع ضمن مجموعة من المباني المحيطة به، تحوي على مستشفى وأربع مدارس ودكاكين وحمامات خارجية.
يعتبر مخطط الجامع مزيج من المساجد ذات القبة الواحدة centraldome والمساجد المتعددة الأعمدة Hypostyle ،حيث يتكون من جزأين مستطيلين (الفِنَاء وقاعة الصلاة). الفِنَاء هنا أصغر من قاعة الصلاة, حيث أنه محاط برواق ذو البلاطة الواحدة, وتتعدد فيه المداخل.
تحدد مساحة الصلاة من جهة القبلة فِنَاء مسيج غير مغطى، يحوي هذا الفِنَاء على عدة أضرحة لأشخاص ذوي سلطة من بينهم ضريح سليمان القانوني.
تعلو قاعة الصلاة قباب متنوعة (الشبه دائرية والمسطحة والنصفية)، تتوسطهم قبة مركزية كبيرة يبلغ قطرها 26 م ترتكز على أربع دعامات ضخمة، يحدها قبتان نصفيتان (شمالية وجنوبية) تعطي هذه القباب من الداخل والخارج تعبير فراغي وشكلي قوي، إضافة إلى تعزيزها لدعم القبة المركزية.
تشكل مجموعة القباب التي تدعم كل منها الأخرى تجمع هرمي سيمفوني قوي، يتصف بالنزول التدريجي من الأعلى إلى الأسفل، ويشعرنا بضخامة كتلته الكبيرة إضافة إلى خفته.
يصل عدد المآذن في الجوامع العثمانية من مئذنتين إلى ست مآذن، تتميز المئذنة بشكلها القلمي المدبب حيث تعلوها قمة مخروطية مدببة تحوي على شرفة واحدة أو أكثر.
بالنسبة لجامع السليمانية فمآذنها التي تقع في زاوية التقاء الفِنَاء بباحة الصلاة تحوي على ثلاث شرف، أما المآذن التي تحدد الفِنَاء الخارجي فهي أقصر طولاً وتحوي على شرفتين. الجامع مبني أغلبه من الرخام, وتغطى القبب وقمم المآذن المخروطية بألواح من الرصاص.
العمارة الإسلامية لم تقتصر علي المواقع الدينيةفقط؛ بل ظهرت أيضاً في المباني الآخري كالقصور، والقلاع، والحصون، و حتي المقابر.
يمكنكم التعرف أكثر علي العمارة الإسلامية من خلال قسم الهندسة المعمارية.