في زمن الانفجار السكاني الرهيب في القرن العشرين توجب على المعماريين، والمهندسين إيجاد بدائل سريعةٍ لإيواء الإنسان الحديث، ومتطلباته المعيشية، فكان الإسمنت واحداً من أنجح الحلول السريعة، والقوية، وذات العمر الطويل. وبالرغم من إكتشاف آثار الضرر البيئي الهائل له، لايزال هو الأكثر إستخداماً حتى الآن مع التوجه الكبير بإستبداله بعناصر، ومواد مستدامةٍ، وصديقةٍ للبيئة.
يمكن خلط الخرسانة في الموقع أو توريدها كخرسانةٍ جاهزةٍ فيما يعرف بالصب الموقعي cast in situ"" أو إنتاجها في مصنعٍ لمنتجات الخرسانة مسبقة الصب precast"" كما ذكرنا في المقالة السابقة.
لإنشاء مبنىً من الإسمنت نحتاج إلى ثلاثة عناصر تشكل المثلث الذهبي:
لها تصميمٌ معينٌ من ناحية الضغط، والمقاومة، والمتانة اللازمة أو ما يسمى mix designويعتمد ذلك على العنصر المراد صبه فيما إذا كان قاعدة، جائز، عمود، أو سقف بلاطة. فمثلاً، بشكلٍ عام يجب أن تكون قوى تحمل القواعد، والأعمدة لا تقل عن 35 نيوتن، وأن تكون هذه القواعد مضادةً للماء، والرطوبة، ويستخدم فيها أحياناً الإسمنت المقاوم للكبريت SRC بسبب تعرضها للماء، والرطوبة الموجودة في الأرض الطبيعية. بينما قوى تحمّل البلاطات تكون 40 نيوتن أو أكثر، من الإسمنت البورتلاندي العادي فيما يعرف اختصاراً OPC. يكون المهندس الإنشائي المسؤول عن التصميم هو المخوّل بالحسابات التصميمة لنوع الخرسانة، وإجراء التجارب المعملية عليها من هبوطٍ، وتماسٍك، وكثافةٍ، ونفوذيةٍ، ومتانةٍ، والحصول على موافقة البلدية، والدوائر المختصة قبل البدء بالمشروع.
هو العنصر الثاني الأساسي المكوّن للخرسانة وهو أيضاً له اشتراطاته التصميمية التي يكون المهندس المصمّم أيضاً هو المسؤول عن التحقق منها، من أطوال، وأقطار، ونوعيات، وتشكيلات، وأعداد في المتر المربع أو المكعّب، وإجراء التجارب المعملية، والموافقة على نتائجها قبل اعتماد نوع الحديد، من قص، وثني، وإعادة ثني، وفحص كيميائي للتأكد من كثافة، وخامة الحديد، وشوائبه المصاحبة، والفحص النظري لقضبان الحديد، وخلوّها من الصدأ، والتلف لضمان الجودة قبل الاستخدام.
وقد تكون خشبيةً كما هو شائعٌ في البلاد العربية، أو قوالب بلاستيكيةً، ومعدنيةً كما هو شائعٌ في الخليج، والغرب. وهناك شركاتٌ عالميةٌ تصنع هذه القوالب بكفاءةٍ، وجودةٍ عاليَتين لضمان عاملي الأمان، والسرعة مثل شركة دوكاوبيري، وإس جي بي.
بعد الإنتهاء من تسوية الأرض للبناء يتم تحضير القوالب، وضبطها شاقولياً وعموديا ًمن قبل القوى العاملة الموجودة على الأرض كالنجارين، وبتوجيه من المسّاح المسؤول عن ضمان التمركز، والأبعاد حسب الخرائط المعتمدة، ومن ثم ربطها ببعضها جيداً لضمان عدم التفكك. يتم تركيب الحديد وتفريده بالمتر الواحد، وتشبيكه مع بعضه حسب الرسومات المعتمدة للتسليح، وباعتماد من المهندس المشرف، وبعد الموافقة عليها، والتأكد من نظافة القالب قبل عملية الصب، وضمان اشتراطات السلامة؛ حيث إن 1 متر مكعب من الخرسانة يعادل وزن 2.5 طن فغالباً تحصل حوادث تسريب، وإنفلات للشدات بسبب ضعف ترابط الشَدّة، أو بسبب طريقة الصب الخاطئة مثل السرعة الكبيرة أو الضخ السريع.
غالباً يتم إنشاء القواعد، والأعمدة، والجوائز، والجسور، والبلاطات، والعتبات، وجدران الشرفات، والأسطح القصيرة بهذه الطريقة، ويتم بناء الجدران، والفواصل بالبلوك أو الإسمنت الخفيف الحصوي، الذي هو من منتجات الإسمنت أيضاً لكن بغياب الحديد.
تعتبر المباني الإسمنتية الأطول عمراً بين نظيراتها، والأفضل عزلاً إذا طُبق العزل الحراري على مقاطعها، وتم الأخذ بعين الإعتبار قيمة U value، وهي مفهومٌ، ومعادلةٌ حديثةٌ نسبياً لطريقة حساب كمية الحرارة في الأبنية، بالإضافة إلى الجودة، والمتانة. وهي لا تحتاج صيانةً كبيرةً كمثيلاتها من البيوت الخشبية أو المعدنية، إلا أنها تحتاج وقتاً مضاعفاً في عملية الإنشاء، بالإضافة إلى تكلفتها العالية، والضرر البيئي المصاحب لعملية إنتاج الإسمنت في المصانع، كونه يعتبر ثاني ملوثٍ للبيئة عالمياً بعد غاز ثاني أكسيد الكربون.
يمكنكم قراءة مقالة "البيتون مسبق الصنع" في قسم الهندسة الإنشائية أو مباشرة من هنا.