معظم مهندسو البناء يركزون على جودة الضوء والهواء للحصول على بيئة صحية داخل المباني، ولكن قد ننسى أن هناك عامل آخر يؤثر بشكل كبير على الصحة والرفاهية داخل المبنى وهو الضوضاء، ففي عام 2018م، قامت منظمة الصحة العالمية (WHO) بتحديث إرشاداتها الخاصة بالضوضاء البيئية أول مرة منذ عام 1999م، مؤكدة أن الضوضاء لها آثار سلبية على صحة الإنسان وأصبحت مصدر قلق متزايد.
مؤخراً، أصبحت مخاطر الضوضاء مختلفة عما كانت عليه في الماضي، فيمكن أن يكون لها آثار صحية خطيرة مثل: فقدان السمع، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وارتفاع ضغط الدَّم، والصداع، والتغيرات الهرمونية، والأمراض النفسية الجسدية، واضطرابات النوم، وانخفاض الأداء البدني والعقلي، وردود فعل التوتر، والعدوانية، والشعور المستمر بالإستياء والإنخفاض عموماً.
أُجري استطلاع حول تأثير الصوتيات في مستشفى، وكانت نتيجته أن 60% من المرضى الذين شملهم الإستطلاع اشتكوا من اضطراب النوم بسبب الضوضاء. كما وجد باحثون في فرنسا أنه مقابل كل زيادة قدرها 10 ديسيبل في تلوث الضوضاء، كان يقلل من أداء الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و9 سنوات بمقدار 5.5 نقطة في اختبار القياس الوطني، والأكثر أهمية من ذلك، أن ما يقارب 16600 حالة وفاة تحدث بسبب التعرض للضوضاء سنوياً في أوروبا، وتقدر التكلفة السنوية للتلوث الضوضائي الأوروبي بحوالي 40 مليار يورو.
بعد تحديد مستويات الضوضاء، يتم اختيار المواد بمشاركة المهندسين المعماريين حيث يمكنهم إحداث فرق في التصميم والتعبير عن المبنى من الداخل والخارج.
مفهوم علم الصوتيات:
علم الأصوات أو الصوتيات هو فرع من فروع الفيزياء التي تدرس الصوت وكيفية إنتاجه، وإرساله واستقباله، والتحكم به، بالإضافة إلى تأثيراته. تعد دراسة الصوتيات أساس للكثير من التطورات في الفنون والموسيقى، والعلوم والبيولوجيا، والتكنولوجيا.
يقسم علم الصوتيات إلى عدة أقسام منها :
الصوتيات المعمارية، والصوتيات الحيوية، والصوتيات الطبية الحيوية، وضوضاء البيئة، والصوتيات النفسية، والصوتيات الهيكلية، والصوتيات الموسيقية، والصوتيات تحت الماء، والصوتيات غير الخطية، والصوتيات الفسيولوجية، والصوتيات الفيزيائية، وصوتيات أيرو، بالإضافة إلى التوضيح واتصالات الخطاب.
علم الصوتيات المعمارية، هو علم يدير الصوت في المباني، ويحتوي جميع جوانب التصميم الصوتي لجميع أنواع المساحات المعمارية، من أجل تحسين البيئات المعمارية التي تلبي حاجات الوظائف المختلفة، كالتعليم والعمل، والعبادة، والترفيه، والتواصل. بدأ تطبيق علم الصوتيات المعمارية في تصميم دور الأوبرا، وقاعات الحفلات الموسيقية، استوديوهات الإذاعة والتلفزيون، وقاعات المحاضرات.
تعتمد جودة الصوت في الأماكن المغلقة على مدى جودة التحكم في مصادر الصوت، حيث تنتقل الضوضاء الخارجية والداخلية وتأثيراتها عبر الهواء أو غطاء المبنى. تعتمد كيفية إدراك الأذن البشرية للصوت بشكل مباشر على مستويات الصدى والإمتصاص داخل المبنى.
لتقييم الراحة الصوتية للمباني، يتم تقييم مستوى الصوت وصوتيات الغرفة. يقاس مستوى صوت الخلفية مقارنة بذروة مستويات الضوضاء. ويتم قياس صوتيات الغرفة بواسطة وقت الصدى ومستوى الوضوح ومستوى الخصوصية. وتطبق متطلبات التحكم بالصوت المختلفة اعتمادًا على وظائف المبنى أو الغرفة.
مبادئ علم الصوتيات المعمارية:
للتصميم من أجل الراحة الصوتية هناك مبادئ يتعين إتباعها، حيث توضع احتياجات المستخدمين جنباً إلى جنب مع العوامل الخارجية والمعمارية، مثل: برنامَج البناء، والعادات الثقافية، وأنواع الضوضاء، وطيف الضوضاء، وأنظمة ومواد البناء.
بداية يجب توقع مستويات الضوضاء، بالرغم من أن الصوت يمثل تحديًا للتنبؤ بدقة، ولكن يمكن توقع مستويات الضوضاء الخارجية بواسطة تحليل الموقع وتوضيح متطلبات أداء المبنى وغطاء المبنى واحتياجات المُعِدَّات التقنية، ولا يمكن استبدال التحليل الحقيقي في الموقع بمحاكاة الحاسوب الذي ليس له آذان بشرية.
بعد تحديد مستويات الضوضاء، يتم اختيار المواد بمشاركة المهندسين المعماريين حيث يمكنهم إحداث فرق في التصميم والتعبير عن المبنى من الداخل والخارج. هناك مجموعة متنوعة من المواد المتاحة التي تساعد في تحقيق الراحة الصوتية مثل: ألواح الجدران والأسقف الصوتية لتقليل انعكاسات الصوت، والزجاج الصوتي الذي يدمج كطبقة داخلية لتقليل انتقال الصوت، بالإضافة إلى تطبيق المواد العازلة المانعة لتسريب الضوضاء.
عزل الصوت:
عزل الصوت هو القدرة على عزل البيئة فيما يتعلق بخارجها. وهذا يعني أنه يمكن استخدامه لمنع دخول الضوضاء القادمة من الشارع أو منع الأصوات المتولدة داخل الفضاء من التسرب إلى الخارج. تعتمد هذه العملية على قدرة الأسطح على إنشاء حواجز تمنع الضوضاء من الإنتقال من بيئة إلى أخرى. لتحقيق بيئة معزولة صوتياً، يجب أن تنعكس الموجات الصوتية تماماً أو تمتصها الأسطح المادية للغرفة دون إصدار أي صوت على الجانب الآخر.
تنقسم مواد العزل إلى نوعين:
مواد جيدة الإمتصاص للصوت وتكون خفيفة وناعمة ومسامية مثل: الجبس والخرسانة والزجاج والرخام والجرانيت والمعدن والسيراميك، ومواد عازلة للصوت وتكون ثقيلة وصلبة وناعمة مثل: الصوف الزجاجي والصوف الصخري والمواد الرغوية والألواح المصنوعة من ألياف الخشب. فإذا كانت الفكرة هي تقليل الضوضاء التي تدخل أو تخرج من الغرفة، فيجب زيادة الكتلة الهيكلية للجدران والأرضية والسقف، ويجب إغلاق مساحات الهواء من النوافذ والأبواب. ولكن إذا كان الغرض هو جعل البيئة أكثر هدوءً، وبأصداء أقل، فإن ما نسعى إليه هو امتصاص الصوت.
دراسة تحليلية لقاعة الحفلات الموسيقية أولا ماجنا:
(Aula Magna, in Universidad Central de Venezuela) قاعة الحفلات الموسيقية أولا ماجنا في جامعة فنزويلا المركزية التي صممتها كارلوس راؤول فيلانويفا. تم تصنيفها في الثمانينيات على أنها واحدة من 5 غرف ذات أفضل صوتيات في العالم.كافة تفاصيل التصميم والمواد والأشكال والعناصر تم اختيارهم لإنشاء أجواء جيدة في الفضاء حيث استعانت المهندسة فيلانويفا بإختصاصي صوتيات لإختيار أنواع الخشب والكراسي والخدمات بعناية. حتى نسيج السجاد (الكاشمير) تم اختياره للمساهمة في الخصائص الميكانيكية حيث يتميز بسعة امتصاص للصوت، وأما مواد الأبواب والعناصر الأخرى تم اختيارها بحيث تمنع الصدى والضوضاء. كما تم إضافة عناصر خاصة للسقف وأجزاء من الجدران في التصميم الأصلي لتحسين جودة الصوت حيث سميت هذه العناصر الغيوم أو (flying subjects) التي صممها المهندس ألكسندر كالدر.
الإستنتاجات:
الصوتيات هي عنصر أساسي في جميع أنواع المباني من المستشفيات والمباني التعليمية والمراكز الرياضية إلى الأماكن السكنية أو أماكن العمل والموسيقى، حيث تظهر البحوث أن تحسين جودة البيئة الداخلية للبناء تبين فوائد كبيرة على المستخدمين مثل تعزيز قدرات التعلم لدى الأطفال في المدارس، وتحسين إنتاج العاملين في المكاتب، وتقدم صحة المرضى في المستشفيات. وعلى سبيل المثال: يؤدي تحسين الصوتيات في المكاتب المفتوحة إلى زيادة مستويات التركيز بنسبة 48% وتقليل مستويات التوتر بنسبة 27% بالإضافة إلى تقليل معدلات الخطأ بنسبة 10%.لتحقيق مساحة صوتية مثالية، يجب أن نكون على دراية بالمواد المتقدمة تقنياً التي تحافظ على صوتيات عالمية المستوى. ومع ازدياد ازدحام المدن، وتغير المناخ يزداد ارتفاع مستويات الضوضاء، مثال على ذلك: زيادة استخدامنا لأنظمة تكييف الهواء يؤدي إلى اشتداد العواصف وحدوث المزيد من الإهتزازات، لذلك سوف تتطلب مبانينا عزلاً أفضل لحماية شاغليها من الضوضاء الداخلية والخارجية حتى لا تؤثر على إنتاجيتنا وقدرتنا على التعلم ونومنا وراحتنا ورفاهيتنا العامة.
وهكذا نكون قد تعرفنا على تأثير الصوتيات في الهندسة المعمارية، إن كنت مهتماً بالتعرف على المزيد من المعلومات لكافة اختصاصات الهندسات، قم بالإطلاع على باقي المقالات.